الوقف للتعليم الطبي.. أهميته وأساليبه

الوقف للتعليم الطبي ... أهميته وأساليبه

الوقف هو مصطلح إسلامي، ويعني لغويا الحبس أو المنع، واصطلاحاً هو حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح، ولعل تشريع الوقف يدل على أن صلة العقيدة أقوى وأمتن من كل الصلات الأخرى كالجنس واللغة والوطن، وقد دعت إليه الحضارة الإسلامية التي كان لها الفضل الأكبر في توجيه الحضارة الإنسانية نحو التطوير والتجديد، ومن الأسباب التي دفعت العلماء إلى الإقبال في شغف وحرص بالغين على العلم والبحث والتأليف هو حث القرآن الكريم والسنة النبوية على طلب العلم والحض على التزود منه باستمرار، ويعتبر الوقف من العوامل الأخرى المساعدة التي أدت كذلك إلى ازدهار الحياة العلمية في تاريخ المسلمين، وعلى نمو هذه الحياة وتطورها على مر الأعوام في كل أرجاء الدولة الإسلامية، والمتتبع للأوقاف الإسلامية يجد أنها أهتمت بداية بالمصالح العامة والمحتاجين، ثم توسعت لتشمل مجالات أخرى كدور العلم وإنشاء المساجد والمستشفـيات والمكتبات العلمية المتخصصة.
ويعتبر الوقف للتعليم الطبي أحد مجالات الوقف التي كان لها أثر كبير في النهوض بعلم الطب منذ بدايته عند المسلمين والعمل على تطويره، ذلك أن خدمات وقف البيمارستانات (إسم للمستشفيات قديما) لم تقتصر على معالجة المرضى؛ بل تعدى الأمر كذلك إلى تدريس الطب، وهذا يشبه ما يتم حاليا في المستشفيات من إلحاق كليات الطب بالمستشفيات حيث تتوافر الدراسة العلمية والممارسة الطبية، فقد نصت وثيقة وقف البيمارستان المنصوري على تعيين شيخ للاشتغال بالطب، يكون من بين أطباء البيمارستان، وخصص له الواقف مكاناً محدداً لإلقاء دروس الطب على طلبته، ونجد أيضا أن وثيقة وقف حسام الدين لاجين قد نصت على ترتيب مدرس للطب بالجامع الطولوني، والوقف على هذا المدرس وعشرة طلبة يشتغلون بالطب، ولم تقتصر مدارس الطب على المدارس الملحقة بالبيمارستانات فقط، بل كانت توجد إلى جـانب ذلك مدارس خاصة أنشأها الأغنياء، فقد وقف مهذب الدين عبد الرحيم بن علي داره التي بدمشق، وجعلها مدرسـة لتعليم الطب، ووقف لها ضياعاً وعدة أماكن ينفق ريعها في مصالح المدرسة، وكذلك كانت هناك أوقاف خـاصة للإنفـاق على تأليـف الكتب في الطب والصيدلة.
ويتضح جليا مما ورد أعلاه إهتمام المسلمين والعرب بالوقف للتعليم الطبي، مما مكن العلماء والأطباء في ذلك العصر من التأليف في العلوم الطبية وتدريسها، وإعداد أطباء مؤهلين لعلاج المرضى ومكافخة الأمراض، وإن كان المجتمع المسلم محتاجا لمثل ذلك التوجه الوقفي في ذلك الزمان، فإن المجتمع اليوم أحوج ما يكون لإستمرار الوقف للتعليم الطبي، وتنويع طرقه وأساليبه، وذلك بسبب الحاجة الكبيرة والملحة لتأهيل وتدريب أطباء وإختصاصيين للتصدي للتغير المستمر في خارطة المراضة بظهور أمراض لم تكن تعرف من قبل، وزيادة عدد السكان مما يصاحبه زيادة عدد المرضى، وتقدم التكلونوجيا الطبية والصناعات الدوائية وتنوع إستخداماتها، وزيادة الحاجة إلى أبحاث مخبرية ودراسات علمية لمعرفة مسببات الأمراض والمستحضرات الدوائية المناسبة لها.
وتوجد في السلطنة مؤسسات أكاديمية تعنى بتخريج أطباء وكوادر طبية مساعدة مثل كليات الطب والتمريض ومعاهد العلوم الصحية، ومؤسسات أخرى لإعداد وتأهيل وتدريب أطباء إختصاصيين كالمجلس العماني للاختصاصات الطبية، حيث أعداد الخريجين منها في إزدياد مستمر عاما بعد عام، مما يجعل تخصيص أوقاف لتمويل بعض خدماتها ومهامها تمكينا لها لتوفير مقاعد إضافية لمزيد من الطلبة والمتدربين الذين سيأخذون على عاتقهم بعد تخرجهم العناية بصحة أبناء وطنهم وتعزيز صحتهم، والمساهمة في تدريب وتأهيل غيرهم من المتدربين، مما يتيح للوطن إمكانية إعتماده وإكتفائه بكوادره الطبية الوطنية، وهو لا ريب أفضل وأنجح إستثمار، لأنه إستثمار في الإنسان.
وهناك عدة طرق وأساليب لمن يرغب في المساهمة في هذا الإستثمار الوطني الدنيوي والأخروي النبيل، منها وقف أصول تقليدية مثل وقف العقارات والأراضي، أو وقف أصول غير تقليدية (معنوية أوعينية) تملكها المؤسسات والأفراد مثل تمويل سنوي لتدريب عدد من الأطباء المتدربين داخل وخارج السلطنة، وقف ريع إعلانات صحفية، وقف ريع طاولات مطاعم، وقف ريع مقاعد في استادات رياضية، وقف ريع بعض خطوط سيارات الأجرة، وقف ريع غرف فندقية، وقف ريع غرف في مستشفيات ومراكز طبية، وقف ريع شاشات إعلان، وقف ريع بعض المواقف في مواقف سيارات، وقف ريع جزء من مبيعات متاجر وغيرها الكثير من الطرق والأساليب الوقفية المبتكرة، فتتظافر الجهود وتتكاتف الأيادي في لحمة واحدة لبناء ونهضة الوطن وأبنائه.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراعاة الحلال والحرام

Ecommerce in Oman

علمنا كأس خليجي 23